بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 أكتوبر 2010

ثلاث قصص قصار (2)

ثلاث قصص قصار
بقلم: عبد الغني عبده
النظام
باع "عواد" بقية قطعة الأرض الزراعية التي ورثها عن أبيه بعد أن استأثر لنفسه بناصية مميزة زرع فيها بعض الأعمدة الخرسانية وتعهدها حتى استطاع أن يضع فوقها – بشق الأنفس – سقفاً؛... ليتم بعد ذلك أكبر أولوياته: زواج "الحيلة" الذي جاءه بعد إحدى عشرة ولادة فاشلة باستثناء سبع بنات – من زوجة واحدة ماتت وهي تلده –....
عندما أصيب "الحيلة" بتليف الكبد – جراء اختلاط مياه الشرب بمياه المجاري - حصلت زوجته على الطلاق واستولت على المنزل...
وبينما كان عواد منشغلاً – بعد أن بلغ من الكبر عتياً – بالتسلل حول المنزل لاقتناص نظرة إلى أحفاده الذكور الثلاثة (الذين ما أن يرونه حتى يمطرونه بالحجارة مرددين الأغنية الشهيرة: "عواد باع أرضه ياولاد، شوفوا طولو وعرضوا يا ولاد....) لم تُجِد السبع بنات (اللاتي وكأنهن لا يملكن أية مهارة ولم ينلن أي قدر من التعليم) سوى ممارسة أقدم مهنة في التاريخ لتدبير نفقات علاج "الحيلة" وتجهيز كفن "عواد" والتكوم تحت سقف آخر.
***
أطلال نظام
باع "عواد" قطعة الأرض الزراعية التي ورثها عن أبيه دون أن يكون لديه رفاهية الاستئثار لنفسه بناصية مميزة كان يحلم بأن يزرع فيها بعض الأعمدة الخرسانية ويتعهدها حتى يستطيع أن يضع فوقها سقفاً. ليتم بعد ذلك أكبر أولوياته: زواج "الحيلة" الذي جاءه بعد إحدى عشرة ولادة فاشلة باستثناء سبع بنات – من زوجة واحدة ماتت وهي تلده –....
عندما أصيب "الحيلة" بتليف الكبد – جراء بلهارسيا مزمنة - حملت زوجته أقفاص الخضار والفاكهة على رأسها لتعول الأسرة تاركة صغارها في المنزل...
وبينما كان عواد منشغلاً – بعد أن بلغ من الكبر عتياً – باقتناص أحفاده الذكور الثلاثة (الذين ما ينفكون مرددين الأغنية الشهيرة: "عواد باع أرضه ياولاد، شوفوا طولو وعرضوا يا ولاد....) وإشباعهم ضرباً وسباً.... لم تجد السبع بنات (اللاتي لا يملكن بالفعل أية مهارة ولم ينلن حقاً أي قدر من التعليم) سوى الموافقة على الزواج بشقي أو مسن خيجي أو تاجر مخدرات أو قاطع طريق أوناقص عقل ودين.... فقد كان هم كل واحدة منهن هو التكوم تحت سقف آخر.
***
نظام يوتوبيا
باع "عواد" – مضطراً - نصف قطعة الأرض الزراعية التي ورثها عن أبيه طلباً للذرية. وبعد أن وضعت إمرأته توائمها الثمانية دفعة واحدة، بعد عشر سنوات من الحرمان والمعاناة والمحاولات الفاشلة كان مضطراً لعرض أرضه الباقية جزءاً إثر الآخر لمواجهة نفقات تربية وتعليم هذا الفريق؛ فضلاً عن علاج طويل الأمد لزوجته التي نجت من الموت بأعجوبة.
عندما سافر ابنه "جميل" لاحقاً لأخوات ثلاثة (جميلة الأولى "دكتوراه في علوم الذرة" وجميلة الثانية "دكتوراه في علوم الفضاء" وجميلة الثالثة "دكتوراه في تكنولوجيا المعلومات") كان سفره منحة للحصول على الدكتوراه في أمراض الكبد المتوطنة في مصر – جراء البلهارسيا أو اختلاط مياه الشرب بمياه المجاري ....
وبينما كان عواد منشغلاً – بعد أن بلغ من الكبر عتياً – بزيادة رقعة الأرض الزراعية التي يملكها مستثمراً تحويلات بناته الثلاثة الوفيرة؛ مدعماً بجهود بناته الثلاثة الأخريات اللائي تخرجن في كلية الزراعة (جميلة الخامسة "بساتين" وجميلة السادسة "أفات نباتية" وجميلة السابعة "إنتاج حيواني")... كانت "رابعة" الجميلات تقف تحت سقف أخر.... سقف القاعة الكبرى بدار الأوبرا المصرية لتتسلم جائز الدكتور "زويل" للغناء العربي بعد أن شدت بأغنيتها الجديدة: "عواد زاد أرضه يا بلاد ....عواد زاد أرضه يا بلاد ..... ضعفين والتالت يا بلاد.... والرابع جاي يا بلاد... بعد المحصول يابلاد... هيضم الغلة يا بلاد... وهيجني الفول يا بلاد.... عواد زاد أرضه يا بلاد...عواد زاد أرضه يا بلاد... ضعفين والتالت يا بلاد... والخامس ممكن يا بلاد.... بعد أما يسمن يابلاد ....ألفين بقراية يابلاد...إنتاج حيواني يابلاد... كندوز أو ضاني يا بلاد.... عواد زاد خيرك يا بلاد.... شربان من نيلك يا بلاد... عمًّال يناديلك يا بلادي ويقول:...عهدي وعهد ولادي يبقوا قنديلك يا بلادي... قنديل فـ ضلام ليلك هادي.... عواد زاد أرضه يا بلاد... زاد طوله وعرضه يا بلاد.....يا بلاد غنيلو يابلاد واسمعي مواويله يا بلاد..."
(تمت)
الرياض في: 28 أكتوبر 2010

الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

حقيقة الأمر

حقيقةُ الأمرْ
(قصة قصيرة)
بقلم: عبد الغني عبده
***
سبعُ سنواتٍ، تقريباً، أسافر بين العمار والقاهرة. ومن خَبُرَ خط 12 (أو حتى الطريق السريع) يدرك مدى النعمة التي تمتعت بها؛ إذ خرجت من هذه السفرات اليومية دون حادثة مروعة؛ رغم أن وقوعها من الأمور العادية التي تصادف الغالبية... سبع سنوات تجعل الأمر روتينياً... حتى عندما تعطلت أكثر من سيارة جمعتني/ وكلما جمعتني "به"... لم أسمح لهذا الهاجس الذي سطع في رأسي (مشيراً إلى "أنه" ربما كان "نحساً") بأن يتحول إلى "عقيدةٍ" راسخةٍ مهما تكرر الحدث..... المفزع أن أحد أصدقائي همس في أذني (مفسراً إعراض الجميع عني – ركاب وسائقين – عندما أُهِلُ بطلعتي في الموقفين خلال الفترة الأخيرة) قائلاً: ما تزعلش مني... ح أقول لك الحقيقة.... كلهم.... كلهم فاكرينك "نحس"!!
(تمت)
الرياض في: 15 يونيو 2010